مؤاب - فيما يرى البعض أن الاستثناءات والكوتات في القبولات الجامعية بدأت تتحول إلى ما يشبه القاعدة رغم عدم دستوريتها لمخالفتها المادة 6 من الدستور ولانعكاساتها على تكافؤ الفرص، يعتقد آخرون بضرورتها لأنها تنصف فئات مهمشة اقتصاديا واجتماعيا، وغدت حقا مكتسبا وامتيازا لتلك الفئات لا ينبغي سحبها.
ووفقا لخبراء أكاديميين أكدوا غياب العدالة في القبولات الجامعية كما اعتبروا البرنامج الموازي "غير عادل ويعمل لمصلحة الأثرياء على حساب الفقراء"، غير أنهم يبررونه لكونه يشكل مصدر تمويل جيد للجامعات لا بديل منه في حال إلغائه.
وشددوا على ضرورة وجود صندوق للطالب يغطي سائر فئات الطلبة، على أن تموله العديد من الجهات، من بينها الحكومة والجامعات، وفي المقابل شددوا على أهمية اعتماد التنافسية في التخصصات وليس في المقاعد، معتبرين أن على الطالب الحصول على معدل يؤهله على التنافس للحصول على المقعد لا أن يعطى له كمنحة.
وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عزمي محافظة أكد خلال ملتقى التعليم العالي 2024 الذي عقد في الجامعة الاردنية أخيرا أن هناك "نقدا لاذعا لنظام القبول المعمول به حاليا، ومطالبة بنظام قبول يحاكي ما هو معمول به في الجامعات الإقليمية والعالمية، بحيث يحقق تكافؤ الفرص والعدالة في الوصول إلى الجامعات، إضافةً إلى أهمية تنظيم استثناءات القبول وإلغاء الامتيازات غير المنصفة".
وأشار محافظة إلى أن ما تعانيه الجامعات الرسمية من عجز مالي يعيق تطورها وتقدمها، إلى جانب أن موازنات بعض الجامعات تعجز عن تغطية احتياجاتها الأساسية أو الوفاء بالنفقات الجارية.
"الغد" بدورها، حاولت التواصل مع الوزير محافظة للحصول على تعليق حول الاستثناءات في القبولات الجامعية، وعما إذا كانت هناك خطة لدى مجلس التعليم العالي لإعادة النظر في القبولات أو هيكلتها، لكنها لم تحصل على رد.
بدوره، كان وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور لبيب خضرا طرح فكرة "تقنين الاستثناءات" في الجامعات ومحاربتها بضراوة باعتبارها تضرّ بالحقوق المكتسبة لفئات معينة من المواطنين.
وفي السياق، يؤكد نائب رئيس مجلس أمناء جامعة اليرموك الدكتور محمود الشياب أن هناك مجموعات مجتمعية مهمشة، كما الحال في كل المجتمعات، لافتا إلى أن التهميش الاجتماعي يحول دون القدرة على دفع الرسوم الجامعية، كما أن هناك تهميشا صحيا وآخر اقتصاديا، وجميعها تلعب دورا في حرمان فئات كبيرة من الطلبة من التعليم.
وتابع الشياب أن سياسة القبول يجب أن تراعي الاندماج الاجتماعي، وبالتالي منح فرص لهؤلاء المهمشين، ومن هنا جاء نظام الكوتات الذي يراعي هذه الفئات في المناطق النائية التي لا توجد فيها خدمات أو أساليب للتعليم وغيرها، ومن الظلم أن نقارن بين هؤلاء وأقرانهم في العاصمة أو ممن يحصلون على خدمات متكاملة.
ولفت إلى أن البرامج العادية للقبول لا تمثل إلا جزءا يسيرا من موازنات الجامعات، فيما "الموازي" و"الدولي" هما البرنامجان اللذان يساعدان بدعم موازنات الجامعات لتقوم بعملها.
وأشار إلى أن الجامعات، على المدى الطويل، لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها، ومن هنا جاء "الموازي" مدخلا مهما للمعالجة في ظل ضعف التمويل، خاصة وأنها لا تستطيع جميعها العمل على الاستثمار في مواردها.
بدوره، يرى رئيس الجامعة الأردنية الأسبق الدكتور اخليف الطراونة، أن القبولات الجامعية التي يشرف عليها مجلس التعليم العالي ويحدد استثناءاتها، تفتقر- بالتأكيد- إلى العدالة، وتعد انتقاصا من حرية الجامعات في قبول طلبتها.
وتابع الطراونة: "بما أن هناك استثناءات فمن المؤكد أن ثمة جزءا منها مبرر رغم عدم عدالتها، فيما توجد هناك بعض الفئات المتضررة أيضا من عملية التنافس، وبالتالي يجب ان تكون المنافسة على المقعد"، لافتا إلى أنه يتفق مع جزء من الاستثناءات، وليس مع جميعها.
وزاد: "حتى نستطيع أن نعيد هيكلية القبول الموحد، نحتاج من 4 الى 5 سنوات بحيث يكون التركيز على التخصصات؛ لتتميز كل جامعة بتخصصات محددة، وبالتالي يكون هناك مبرر لحجب الاستثناءات من القبول الموحد، وعندها تستطيع الجامعات أن تكون جاذبة وتقدم الكثير لمجتمعاتها المحلية، وترفع مستوى معيشة السكان".
واعتبر أن الإصلاح الجزئي هو بمنزلة الترقيع، والأفضل معالجة التخصصات وليس غيرها.
وبين الطراونة أن "البرنامج الموازي" غير دستوري، على الرغم من أنه يلبي رغبة صاحب المعدل المنحفض بالدراسة، وهنا من الأفضل ليس إنشاء "صندوق الطالب الفقير"، بل "صندوق الطالب"، بحيث تساهم فيه العديد من القطاعات، ويمكن للفقير الحصول على منحة مجانية للتعليم من أي جهة، وعندها يمكن للجامعات أن ترفع رسومها وتغطي التزاماتها.
وشدد على أن الجامعات لا تستطيع إلغاء التعليم الموازي قبل توفير البديل.
وقال: "لأن هناك استثناءات، فالأصل أن تحدد كل جامعة شروط قبولها الخاصة بها، وعلى وزارة التعليم العالي أن توحد هذه الأسس، من خلال وضع سقوف ليس للدارسين في الجامعات الأردنية فقط، بل تشمل الخارج أيضا.
وشدد على أنه يؤيد منح أبناء الشهداء والمصابين العسكريين استثناءات في المنح، وهو ما يسهم في تجفيف منابع البرنامج الموازي.
بدوره، يوضح الأكاديمي الدكتور باسم تليلان أن المادة السادسة من الدستور، في الفقرة الأولى منها، تنص على أن "الأردنيين أمام القانون سواء في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق واللغة والدين"، بينما تنص الفقرة الثالثة على: "تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكاناتها، وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين".
وتابع تليلان: "بينما المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في الفقرة الأولى منها، تنص على: "لكلِّ شخص حقٌ في التعليم، ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية، ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا، ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم، ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم".
وزاد أن الاستثناءات في القبول الجامعي أصبحت قاعدة عامة، رغم أنها تخالف توجهات وزارة التعليم العالي، ومجلس التعليم العالي، ووحدة تنسيق القبول الموحد، وكذلك المبدأ الدستوري في المساواة بين الأردنيين على اختلاف مهنهم وأعمالهم وأديانهم وأعراقهم، وتخرق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي انضم إليه الأردن.
ولفت إلى أن الاستثناءات الجامعية تنقسم، عموما، إلى أربع مجموعات، الأولى تندرج تحت البرنامج الموازي الذي يستحوذ على ما نسبته 25 % من الطلبة، وهو استثناء وضع من أجل الطلبة أصحاب الدخل الاقتصادي المرتفع، على حساب الطالب الفقير.
وأضاف: "أما المجموعة الثانية فتشمل مكرمة القوات المسلحة، وأوائل المحافظات، وأوائل المدارس، ومكرمة المعلمين، ومكرمة أبناء الشهداء، وأصحاب الإعاقة، ومكرمة المخيمات، وهذه المجموعة تستحوذ على ما يقارب من 40 % من المقبولين في الجامعات".
وتابع: "أما المجموعة الثالثة فتضم ما يسمى بالتفوق الرياضي والفني، وأبناء الدبلوماسيين، والطلبة المغتربين، ولهؤلاء 5 % من المقاعد، فضلا عن الطلبة الحاصلين على الشهادة الثانوية العامة للأعوام السابقة ويخصص لهم 5 %، وأبناء العاملين في الجامعات ويخصص لهم 2 %، وأبناء الهيئة التدريسية في الجامعات".
وأضاف أن المجموعة الرابعة تضم المكرمة الملكية لأبناء العشائر في البادية، والمدارس ذات الظروف الخاصة (الأقل حظا)، وتخصص لها 10 %.
ووفق تليلان، بلغت نسبة هذه الاستثناءات من العدد الكلي لمقاعد الجامعات ما يزيد على 51 % في المعدل العام في حال تم احتساب نسبة أبناء العاملين والهيئة التدريسية في الجامعات.
وفيما يتعلق بالاستثناءات التي تمنح للطلبة بحكم صلة القربى، فقال إنهم يشملون أبناء وأحفاد أعضاء مجالس التعليم العالي ومجالس أمناء الجامعات.
وزاد: "يضاف إلى كل هذه الاستثناءات ما أجازته أسس الجامعة الرسمية من قبول طلبة غير أردنيين في البرامج الموازي والدولي، واستثناء شرط المعدل في برامج البكالوريوس، بنسبة لا تزيد على 10 % من مجموع عدد الطلبة المقبولين في البرامج العادية لكل تخصص، وبحد أعلى 10 علامات أقل من الحد المسموح به لمعدلات القبول، شريطة التقيد بفروع الشهادة الثانوية العامة.
بدوره، طرح أستاذ القانون الدستوري الدكتور رياض الصرايرة إشكالية حق المواطن في التعليم الجامعي بين الحق الدستوري وطرق أساليب القبول في الجامعات، لافتا إلى أن نص الدستور الأردني واضح، عندما يقول: "الاردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا بالعرق واللغة والدين، كما تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها، وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين".
وأضاف الصرايرة: "من استعراض نص تلك المادة فإن الدستور لم يميز بين الأردنيين، وأوجب على الدولة كفالة التعليم وتكافؤ الفرص في الحصول على هذا التعليم؛ لأن عبارة تكافؤ الفرص في المادة 6 من الدستور معطوفة على حق التعليم والعمل، لكننا نجد أنه حق تم اختراقه في التعليم الجامعي من خلال المكرمات".
واعتبر أن ذلك لا يتماشى مع أسس التنافس في القبول من خلال مجموع العلامات، وإذا كان لقطاع تميز فهناك طرق أخرى لمكافأة العاملين فيه غير الحصول على مقاعد جامعية مخالفة لهذه الأسس.
وزاد: "أما فيما يتعلق بالتعليم الموازي، فهو، بالمفهوم المبسط، حصول الطالب على مقعد جامعي بغض النظر عن معدله في الثانوية العامة إذا قام بدفع رسوم جامعية أعلى، وهو ما يؤدي في النتيجة، إلى اقتصار التعليم على فئة الأثرياء وحرمان من لا يملك المال".
ودعا الصرايرة الى اعتماد المعدل فقط للقبول من دون استثناءات، وأن يكون التنافس أولوية للحصول على المقاعد الجامعية لذوي المعدلات العليا.(الغد - حنان بشارات)