مؤاب - اشتُهرت بلدة حوارة الواقعة على طريق رئيسي بالضفة الغربية المحتلة وتطل عليها مستوطنات يهودية، بورشات تصليح السيارات وبمطاعمها وكذلك بالمواجهات وأعمال العنف المتكررة فيها من قبل المستوطنين، وها هي تدفع ثمناً باهظاً جراء الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة.
بحسرة، يختصر نضال جبور واقع البلدة بالقول «الوضع انتهى في حوارة. لا مستقبل لهذه المدينة». ويضيف لوكالة فرانس برس أمام القصابة التي يملكها ان حوارة «تموت ببطء».
يقع متجر جبّور على الشارع الرقم 60 الذي يجتاز الضفة الغربية المحتلة من شمالها الى جنوبها، ويقسم هذه البلدة التي يبلغ عدد سكانها سبعة آلاف نسمة إلى قسمين.
ومثل ما يقرب من 500 تاجر آخرين على طول هذا الطريق، اضطر جبّور إلى إغلاق متجره بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول بناء على أوامر من جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي منع أيضًا الوصول إلى البلدة.
وبرر جيش الاحتلال قرار إغلاق المنافذ بهجوم حماس ولكن أيضًا بحوادث عنف سابقة بين سكان حوارة والمستوطنين الذين يعيشون على التلال المحيطة بها.
سُمح للمتاجر بفتح أبوابها تدريجيًا بعد ثلاثة أشهر من الإغلاق. لكن العمل لم يعد يسير على ما يرام.
فالزبائن المارّون، وهم فلسطينيون من الضفة الغربية وكذلك إسرائيليون، الذين كانوا يمرون في شارع 60 ويشكلون عصب الاقتصاد المحلي، ما عادوا يأتون، إذ تمنعهم حواجز التفتيش الإسرائيلية التي ما زالت تعيق المرور، أو بسبب الخوف من العنف. وتحولت حركة المرور بعيدا عن البلدة منذ الانتهاء من تشييد الطريق الالتفافي في نهاية عام 2023.
ويقول رئيس البلدية جهاد عودة، وهو يعرض بالتفصيل خريطة للبلدة معلقة في مكتبه، إن «شارع الستين هو شريان حياة».
ويؤكد أن إغلاق المحلات التجارية وقطع الطريق أدى إلى «انهيار الحياة الاجتماعية والاقتصادية»، معدّدا الصعوبات اليومية التي يختبرها السكان.
فقد تستغرق الرحلة الى مدينة نابلس بشمال الضفة، والتي لا تبعد عن حوارة سوى كيلومترات معدودة، ساعات عدة. ولم يعد المزارعون قادرين على الاعتناء ببساتينهم وحقولهم، بينما فقد العديد من السكان تصاريح عملهم في إسرائيل.
وتقول جميلة حمدان (74 عاما) إن «الوضع في حوارة زفت».
وتضيف المزارعة التي كانت ترتدي الثوب التقليدي وترعى أغنامها قرب منزلها «يومًا بعد يوم، الوضع يزداد سوءًا». وتعبر هذه الأم لـ12 ابنًا وابنة، عن خوفها من هجمات المستوطنين الذين «ينزلون من التلال ليصرخوا علينا ويرموا علينا الحجارة».
تعد بعض المستوطنات المطلة على حوارة، مثل يتسهار، من بين أكثر المستوطنات تطرفا في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
وتعتبر كل المستوطنات غير مشروعة بموجب القانون الدولي.
وشهدت الضفة الغربية تزايدا في أعمال العنف خلال العامين الماضيين.
وقُتل ما لا يقل عن أربعة إسرائيليين العام الماضي في هجمات نفذها فلسطينيون في حوارة، تبعتها حملات انتقامية من المستوطنين.
في فبراير/شباط 2023، وبعد مقتل شقيقين من مستوطنة هار براخا بالرصاص داخل سيارتهما، اقتحم مئات المستوطنين حوارة، ودمروا المتاجر، وأحرقوا عشرات السيارات، وأرهبوا السكان.
وتبقى تلك الحوادث ماثلة في أذهان سكان البلدة، ومنهم الميكانيكي معتز قصراوي، اذ ما زالت السيارات المتفحمة بالكامل مركونة خلف مشغله.
ويقول «كانت بعض السيارات ملكا لهم. كانت هنا لإصلاحها»، في إشارة الى المستوطنين، نظراً لأن ميكانيكيي حوارة يتمتعون بسمعة جيدة، حسب قوله، وهم «الأرخص (كلفة) في المنطقة».
يقول حكيم عودة، وهو فلسطيني يعيش في كندا ويعود كل سنتين أو ثلاث سنوات لرؤية عائلته «الوضع أسوأ في كل مرة آتي فيها. المستعمرات تتوسع، وتستحوذ على مزيد من الأراضي في كل مرة».
أما بشار الضميدي، الثلاثيني الذي عاد إلى حوارة قبل عام بعد ثماني سنوات في دبي، فيقول «لم أعد أنام. كل مساء تقريبًا، يأتي المستوطنون للغناء والرقص تحت نوافذنا».
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، ارتفع منسوب التوتر في الضفة الغربية حيث استشهد ما لا يقل عن 430 فلسطينياً بنيران جنود أو مستوطنين إسرائيليين، وفقاً للسلطة الفلسطينية.
وقُتل ما لا يقل عن سبعة عشر جنديًا أو مدنيًا إسرائيليًا في هجمات، وفقًا للسلطات الإسرائيلية.