crossorigin="anonymous">

الانتخابات البرلمانية الأردنية : تحول جذري أم أزمة وشيكة ؟ :بقلم  د. نعيم الملكاوي

مشاركة

 

الانتخابات البرلمانية الأردنية : تحول جذري أم أزمة وشيكة ؟ :بقلم د. نعيم الملكاوي

في خضم التحولات السياسية التي يشهدها الشرق الأوسط  واهمها الحرب  على غزة والشعب الفلسطيني وما تحمله من نتائج سيكون لها الدور الأكبر في تشكيل المشهد السياسي والديموغرافي الإقليمي ، في نفس الوقت يقف الأردن على مفترق طرق مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المرتقبة . هذه الانتخابات ، التي تأتي في أعقاب إصلاحات سياسية وصفت بالمتواضعة ، تحمل في طياتها وعوداً بالتغيير وتحديات جمة في آن واحد . 

لقد أثارت الإصلاحات التي أقرتها لجنة الإصلاح السياسي جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الأردنية . فبينما هدفت هذه الإصلاحات إلى تعزيز المشاركة الحزبية وتحديث النظام الانتخابي للوصول الى مرحلة الحكومات الحزبية ، إلا أنها قوبلت بانتقادات من قبل النخب السياسية والحزبية التقليدية التي رأت فيها خطوات غير كافية لتلبية طموحاتهم .
ومن أبرز ملامح هذه الإصلاحات تخصيص 41 مقعداً برلمانياً للأحزاب من أصل 138 مقعداً ، موزعة على 38 حزباً . هذه الخطوة ، رغم أهميتها ، تثير تساؤلات حول مدى قدرة هذا العدد الكبير من الأحزاب على تشكيل كتل برلمانية فعالة . في المقابل ، تم تخصيص 97 مقعداً للقوائم المحلية والعشائرية ، في محاولة للموازنة بين التمثيل الحزبي والعشائري الذي سيتلاشى مستقبلاً خلال ثلاث مراحل انتخابية . 
لكن الواقع على الأرض يكشف عن تحديات عميقة . فقد شهدت الساحة السياسية الأردنية حالة من التفكك في البنية العشائرية للقوائم المحلية ، مما يهدد بإضعاف التماسك الاجتماعي الذي طالما شكل ركيزة أساسية في النسيج الأردني . وفي الوقت نفسه ، تعاني الأحزاب من صراعات داخلية حادة حول تشكيل قوائمها الانتخابية ، مما يثير الشكوك حول قدرتها على تقديم بدائل سياسية متماسكة .
ولعل أكبر التحديات التي تواجه هذه الانتخابات هو توقع انخفاض نسبة المشاركة الشعبية . ففي الانتخابات السابقة ، لم تتجاوز نسبة المشاركة 29% من عدد الناخبين الإجمالي ، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى تمثيل نتائج الانتخابات للإرادة الشعبية الحقيقية بسبب العزوف عن المشاركة .

وفي ظل هذه الظروف ، يتوقع المراقبون أن تشهد الانتخابات القادمة ما يشبه "هزة الغربال" في المشهد السياسي الأردني . فمن المرجح أن تسفر النتائج عن سقوط العديد من الشخصيات العشائرية والحزبية البارزة ، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل جذرية للخريطة السياسية في البلاد .
كما أن هذه الانتخابات ستشكل اختباراً حقيقياً لنظام الكوتا الحزبية الجديد . فنجاح الأحزاب في استثمار المقاعد المخصصة لها سيكون مؤشراً هاماً على مدى فعالية هذا النظام في تعزيز الحياة الحزبية الأردنية .
ورغم هذه التحديات ، يرى البعض في هذه الانتخابات فرصة للتجديد السياسي . فقد تفتح الباب أمام اختفاء لبعض الأحزاب واندماج بعضها وظهور احزاب ووجوه جديدة وأفكار مبتكرة في البرلمان وخارجه على المستوى الشعبي والحزبي ، مما قد يساهم في تنشيط الحياة السياسية وتعزيز المشاركة الشعبية على المدى الطويل .

إن النتائج ، مهما كانت ، ستترك بصمتها العميقة على مستقبل الحياة السياسية في الأردن . فهي لن تكون مجرد انتخابات عادية ، بل تعتبر اختباراً حاسماً لعملية للإصلاحات الجديدة وقدرة النظام السياسي الأردني على التكيف والتطور في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية المتزايدة .

يبقى السؤال المطروح : هل ستكون هذه الانتخابات بداية لتحول ديمقراطي حقيقي في الأردن ، أم أنها ستفتح الباب أمام أزمة سياسية / اجتماعية جديدة وتكراراً للتجربة الحزبية السابقة ؟ 
الإجابة على هذا السؤال ستتضح في الأشهر القادمة ، وستحدد إلى حد كبير مسار الإصلاح السياسي في المملكة لسنوات قادمة .

الكلمات المفتاحية