مؤاب - رغم أن نسبة مرتفعة من النساء في العالم العربي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، تصل الى 20 % أو أكثر، وفقا لدراسات أشارت إلى أن البلدان النامية أشد معاناة منه، فقد أجازت إدارة الغذاء والدواء الأميركية "إف دي إيه"، دواء لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة، في بحث عن وسائل أخرى تخفف عن النساء هذا المرض القاتل.
ويعتبر اكتئاب ما بعد الولادة مرضا عقليا خطيرا يصيب حوالي واحدة من كل سبع أمهات جدد، بحيث يشكل حالة خطيرة ومهددة للحياة، تعاني منها النساء بالحزن والذنب وعدم القيمة، وفي الحالات الشديدة قد يفكرن في إيذاء أنفسهن أو أطفالهن.
ولأن اكتئاب ما بعد الولادة يمكن أن يؤذي العلاقة بين الأم والرضيع، فمن الممكن أن تترتب عليه عواقب تتعلق بالنمو البدني والعاطفي للطفل.
"الغد" استطلعت آراء خبراء واطلعت على دراسات علمية متعلقة بأهمية وجود علاج لاكتئاب ما بعد الولادة ، حيث أظهرت نتائج الدراسة المنشورة في مارس/آذار 2022 في مجلة "الاضطرابات العاطفية" (AffectiveDisorders)، أن الأمهات اللاتي تجاوزن سن الأربعين واللاتي ولدن توأمين أكثر عرضة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، كما أن خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة أعلى أيضا بالنسبة للأمهات ممن ينجبن لأول مرة والأمهات ممن ينجبن دون سن الـ25.
وفي السياق أشارت المؤسسة العامة للغذاء والدواء، ردا على استفسارات صحفية لـ "الغد" حول إقرار الدواء الجديد، قالت المؤسسة إنها تدعم توفير الأدوية الحديثة ذات القيمة المضافة والتي يحتاجها السوق الدوائي الأردني وأنه يتم طلب تسجيلها في حال تم طلب توفيرها في السوق من قبل جهات العطاء أو القطاع الصحي الحكومي أو الخاص ويتم التسجيل من قبل الوكيل المعتمد لدى المؤسسة.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن نحو 10 % من النساء حول العالم تعاني من الاكتئاب أثناء فترة الحمل، لتصل النسبة إلى 13 % بعد الولادة، وفي الدول النامية ترتفع النسب إلى 16 % خلال فترة الحمل و تصل إلى 20 % بعد الولادة.
وفي السياق قالت البروفيسور، رئيس قسم النسائية في كلية الطب بالجامعة الأردنية ومستشفى الجامعة الدكتورة أسماء سعد باشا، إن أهمية دواء الاكتئاب يساعد السيدات اللواتي يعانين من الاكتئاب لما بعد الولادة للرجوع الى الحياة الطبيعية ورعاية طفلها وأسرتها.
وأشارت في حديث لـ "الغد" إلى أن الدراسات الطبية الأردنية الحديثة التي أجريت أشارت الى وجود بين 10- 15 % من حالات الاكتئاب لما بعد الولادة لدى السيدات وكشفت أيضا عن أهمية حصول المرأة على الرعاية بعد الإنجاب وهن النساء اللواتي حصلت لهن مشاكل أثناء الولادة، أو فقدت الجنين أو توفي أحد المقربين بعد الولادة أو لديها مشاكل مع الزوج، أو من السيدات اللواتي يعانين من الوحدة أو ممن يعانين مشاكل في الغدة الدرقية فضلا عما تعانيه النساء التي تنجب الإناث في المجتمع.
وأضافت أن على الأطباء سؤال المرأة التي أنجبت إن كان لديها أعراض اكتئاب أو مراجعة الطبيب بعد 6 أسابيع من الولادة و3- 4 أشهر أيضا من الولادة.
وتابعت أنها تؤيد إعطاء السيدات الدواء الذي كان سابقا جرعة في الوريد لمدة 3 أيام ومن ثم أصبح حبة فموية لفترة محدودة معتبرة أن هذا يساعد النساء وخاصة في مجتعاتنا على تخطي آثار ما بعد الولادة .
وشددت على أن النساء المعرضات لهذه الحالات هن أيضا من المعرضات للإصابة بالأمراض النفسية واذا لم يعالج اكتئاب ما بعد الولادة فإنه يتطور ليصبح اكتئابا ذهانيا.
وقالت إن من الصعب على المرأة التفرقة بين اكتئاب ما بعد الولادة والكآبة النفاسية، لكن أعراض اكتئاب ما بعد الولادة تكون أكثر حدة وتدوم لفترة أطول، وقد تؤثر هذه الأعراض في قدرتها على رعاية طفلها وأداء المهام اليومية الأخرى، حيث تظهر الأعراض في غضون الأسابيع القليلة الأولى بعد الولادة، لكنها قد تبدأ مبكرا، أي أثناء الحمل، أو تظهر في وقت لاحق حتى سنة بعد الولادة.
وأشارت البروفسيور إلى أن الأعراض تتضمن الشعور بالكآبة أو التقلبات المزاجية الحادة، الإفراط في البكاء ، صعوبة التعلق بالطفل، الابتعاد عن العائلة والأصدقاء وفقدان الشهية أو تناول الطعام بكمية أكثر من المعتاد.
ومن الأعراض أيضا عدم القدرة على النوم (الأرق) أو النوم لفترات طويلة والشعور بالتعب البالغ أو فقدان الطاقة فضلا عن قلة الاهتمام والاستمتاع بالأنشطة التي كانت تبعث على المتعة إضافة الى الغضب وسهولة الاستثارة بصورة حادة واليأس والشعور بانعدام القيمة أو الخزي أو الذنب أو العجز وضعف القدرة على التفكير بوضوح أو التركيز أو اتخاذ القرارات والتململ.
وتابعت "قد تصيب السيدات نوبات الهلع والقلق الشديدة وأفكار تتعلق بإيذاء نفسها أو طفلها وصولا الى تكرار أفكار الموت أو الانتحار وربما يستمر اكتئاب ما بعد الولادة لعدة أشهر أو لمدة أطول في حال عدم علاجه.
وتابعت أنه يستمر إعطاء العلاج من لحظة تشخيص المرض وحتى ستة أسابيع بعد الولادة وهي الفترة يحدث فيها الاكتئاب.
من جهته، قال اختصاصي النسائية والتوليد الدكتور أسامة خالد لـ "الغد" إن اكتئاب ما بعد الولادة يصيب من 10 الى 15 % من السيدات ويكون في أغلب الحالات بنسبة تتراوح 80-90 % من النوع الخفيف، ويكون مجرد شعور عام بالتعب وعدم الرغبة في الاستمرار في رضاعة الطفل لكن يكون مؤقتا وبسيطا، لعدة دقائق في اليوم ويختفي.
وأكد خالد على أنه منذ عقود كانت هناك علاجات كثيره تم اقتراحها من قبل أطباء اختصاص النفسية وتكون الرعاية مشتركة بين طبيب النسائية وطبيب النفسية.
ونوه على أنه بالرغم من أن هناك العديد من الأدوية لهذه الحالة، إلا أن اعتراف مؤسسة الغذاء والدواء الأميركية دلالة على أنه تجاوز جميع الدراسات المطلوبة وجميع الأوراق العلمية المطلوبة لتسجيل الدواء كعلاج رسمي لعلاج اكتئاب مابعد الولادة.
وأشار إلى أنه من أهم محاذير استخدام هذا الدواء أنه على المريضة الابتعاد عن قيادة ماكينات كبيرة أو آليات ممكن أن تؤذي نفسها لأنه أحيانا يكون ردود أفعال المريضة أبطأ من المتوقع .
ومن أهم الأعراض الجانبية هي الدوران، الإسهال، الشعور بالتعب وأحيانا ألم بالحلق وأعراض التهاب المسالك البولية.
وشدد على ضرورة الانتباه بأن الحصول على هذا الدواء تحت رعاية أطباء النفسية .
من جانبه، قال اختصاصي النسائية والتوليد والعقم الدكتور فهمي الجابي لـ "الغد" إنه لا يوجد سبب واحد فقط للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، لكن قد تؤدي الخصائص الوراثية والتغيرات البدنية والمشكلات العاطفية دورا في ذلك.
وحول الخصائص الوراثية لفت الجابي الى أن الدراسات أظهرت أن وجود تاريخ عائلي للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، خاصة إذا كان خطيرا، يزيد من خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
وتابع كما تلعب التغييرات البدنية، بعد الولادة، بالانخفاض الشديد في هرموني الإستروجين والبروجيستيرون في جسمها ما يساعد في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، وقد تنخفض هرمونات أخرى تنتجها الغدة الدرقية انخفاضا حادا أيضا، مما يؤدي إلى الشعور بالتعب والكسل والاكتئاب.
أما المشكلات العاطفية فقد يؤدي الحرمان من النوم والإرهاق الشديد إلى صعوبة في التعامل حتى مع المشكلات الصغيرة، بحيث تشعر السيدة بالقلق بشأن قدرتها على العناية بطفلها حديث الولادة، وربما تشعر بأنها أقل جاذبية وبصعوبة في إحساسها بالهوية أو تشعر بفقدان السيطرة على حياتها كما يمكن أن يسهم وجود أي من هذه مشكلات في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
ويمكن لاكتئاب ما بعد الولادة، إذا لم يعالج، أن يؤثر على الرابطة بين الأم ووليدها، وقد يفضي إلى مشكلات عائلية.
وبالنسبة إلى الأمهات، قال الجابي "قد يستمر اكتئاب ما بعد الولادة لمدة أشهر أو أكثر، وأحيانا قد يصير اضطرابا اكتئابيا مستمرا إذا لم يعالج من البداية بحيث تتوقف الأمهات عن الرضاعة الطبيعية، ويعانين من مشكلات في الترابط مع أطفالهن ورعايتهم، ويزداد خطر الانتحار، حتى بعد علاجه، قد يزيد اكتئاب ما بعد الولادة من احتمال تعرض الأمهات اللائي أصبن به لنوبات من الاكتئاب الشديد في المستقبل.
أما بالنسبة للأطفال، فقد أشار الدكتور الجابي الى أن أطفال الأمهات اللائي أصبن باكتئاب ما بعد الولادة ولم يعالجن، أكثر عرضة للمشكلات العاطفية والسلوكية؛ مثل صعوبات النوم والتغذية، والإفراط في البكاء، وتأخر تطور المهارات اللغوية.
وأظهرت نتائج الدراسة أن أعراض الاكتئاب الأكثر شيوعا لدى الأم أثناء الرضاعة كانت مرتبطة بشكل كبير بانخفاض معدل الذكاء لدى الأطفال في سن 5 و10 و16 عاما، وقد ارتبط الدعم العاطفي اللفظي والدعم المادي أثناء الطفولة بقوة مع الدرجات المعرفية للأطفال في نفس النقاط الزمنية.
وأشارت الدراسة كذلك أن نوبات اكتئاب ما بعد الولادة قصيرة المدة قد لا تؤثر على نمو الأطفال وإن كانت مؤذية للأمهات. ولكن عندما يستمر الاكتئاب بعد الأشهر الستة الأولى عقب الولادة وخاصة عندما تكون الأعراض شديدة فإن مخاطر الآثار السلبية على المدى القصير والطويل لكل من النساء وأطفالهن تزداد بشكل ملحوظ.
وأكدت أن التأثير الدائم للاكتئاب على قدرة الأم على تربية أطفالها ونموهم، مما يستلزم الانتباه لأعراض الاكتئاب لدى الأمهات مع ضرورة المساعدة في تقليل خطر الإصابة به من خلال إحاطة الأم بنظام دعم اجتماعي قوي، والخروج في الهواء الطلق وممارسة الرياضة وتوفير وقت للهدوء والتأمل وتناول الأدوية التي يصفها الطبيب بانتظام.(الغد -حنان بشارات)