مؤاب -خاص- لم يعد حمل النقود الورقية ضرورة كما كان في السابق، فالمشهد يتغير في شوارع ومحلات الأردن، حيث تتسابق المحافظ الإلكترونية وتطبيقات الدفع الذكي لتصبح الرفيق اليومي لعدد متزايد من المواطنين. في المقاهي، محلات الملابس، وحتى باصات النقل، يلمع هاتف الزبون بدلًا من محفظته، ليُمرَّر على جهاز صغير يُنهي المعاملة في ثوانٍ.
هذه الثنائية بين الدفع النقدي والدفع الإلكتروني تعكس مرحلة انتقالية يعيشها الأردنيون اليوم. فبينما اعتاد كثيرون على النقود باعتبارها الطريقة الأكثر أمانًا وملموسية، بدأت فئات واسعة خاصة من الشباب ورواد الأعمال تكتشف مزايا الدفع الرقمي من حيث السرعة، الأمان، وتجنب حمل مبالغ نقدية كبيرة.
الحكومة الأردنية من جانبها لا تخفي نيتها تقليص الاعتماد على النقد تدريجيًا. فقد وضعت ضمن خططها للتحول الرقمي إلزام المؤسسات الحكومية بقبول الدفع الإلكتروني وربطها بأنظمة موحدة، إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على توفير وسائل دفع ذكية ومتنوعة. الهدف، بحسب تصريحات رسمية، ليس فقط تسهيل حياة المواطنين، بل أيضًا تعزيز الشفافية، والحد من المعاملات غير الرسمية، وتقليل فرص الفساد الصغير المرتبط بالتعامل النقدي المباشر.
ويواكب هذا التوجه دعم من البنك المركزي الذي أطلق استراتيجيات لتوسيع نطاق الشمول المالي، وتسهيل الوصول إلى الخدمات الرقمية حتى في المناطق الأقل حظًا من حيث البنية التحتية. كما تشهد السوق المحلية دخول شركات ومحافظ إلكترونية جديدة، إلى جانب تحسين الخدمات المقدمة من البنوك التقليدية عبر تطبيقاتها.
لكن الطريق نحو مجتمع بلا نقد ليس سهلًا بالكامل. فهناك شريحة من المواطنين ما زالت تتحفظ على الدفع الإلكتروني، إما لعدم الثقة في الأنظمة التقنية، أو بسبب ضعف الخبرة في استخدام الهواتف الذكية والتطبيقات. كما أن بعض التجار، خاصة في الأسواق الشعبية، يفضلون التعامل النقدي لسرعته بالنسبة لهم أو لتجنب الرسوم التي قد تفرضها أنظمة الدفع.
ورغم أن طريق التحول الكامل إلى الدفع الإلكتروني لا يخلو من العقبات، إلا أن ملامح المرحلة المقبلة تبدو واضحة: الأردن يسير نحو مستقبل تقل فيه الأوراق النقدية وتزداد فيه قوة النقرة الرقمية. ومع إصرار الحكومة على تسريع هذا التحول، وتنامي وعي المواطنين بأهميته، قد يأتي اليوم الذي تصبح فيه المحافظ التقليدية مجرد ذكرى، ويصبح الهاتف الذكي هو بوابة الأردنيين لكل تعاملاتهم المالية.