مؤاب - أثارت التصريحات الإسرائيلية الأخيرة الداعية إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، موجة رفض واسعة على المستويين العربي والدولي، في ظل تحذيرات من خطورتها القانونية والسياسية والإنسانية، وما تحمله من تهديد مباشر للاستقرار الإقليمي والأمن القومي لدول الجوار، وفي مقدمتها الأردن ومصر.
وأكد مراقبون أن هذه التصريحات ليست مجرد مواقف إعلامية عابرة، بل تعكس توجهاً إسرائيلياً ممنهجاً لترسيخ مشروع استيطاني توسعي، ومحاولة لفرض وقائع جديدة على الأرض، بما يهدد الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ويزيد من معاناته.
وحذر محللون وخبراء من أن استمرار هذا الخطاب المتطرف وما يصاحبه من إجراءات عملية على الأرض، كالحصار والتجويع وتوسيع المستوطنات ومحاولات تغيير الوضع القائم في القدس، قد يدفع المنطقة إلى موجات جديدة من العنف والتوتر، ويغذي التطرف ويعمّق أزمة اللاجئين، فضلاً عن نسف أي فرص قائمة لتحقيق السلام العادل والشامل.
وأكدوا أن محاولات التهجير القسري للفلسطينيين، تشكّل جريمة حرب وفق القانون الدولي، وانتهاكاً صارخاً لاتفاقية جنيف الرابعة، بما يستدعي تحركاً فورياً من المجتمع الدولي لوقف هذه السياسات.
وفي هذا السياق، شدد محللون على أن الموقف الأردني ثابت وراسخ في رفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين أو المساس بحقهم في أرضهم، انسجاماً مع التزام المملكة التاريخي بالقضية الفلسطينية ورعايتها للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وأكدوا أن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، يقود حراكاً دبلوماسياً مكثفاً على الساحتين الإقليمية والدولية لفضح الممارسات الإسرائيلية وقطع الطريق أمام أي مخطط لترحيل الفلسطينيين، مشددين أن ما يمس فلسطين يمس الأردن وجميع الدول العربية.
و قال منسق الحملة الدولية للدفاع عن القدس، مدير عام بيت الذاكرة، جودت مناع، إن التصريحات الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية بشأن تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه تُعد خطيرة للغاية على المستويات القانونية والسياسية والإنسانية والدبلوماسية.
وأكد أن هذه التصريحات تخالف بشكل مباشر قواعد القانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري للسكان من أراضيهم المحتلة، مبيناً أنها يمكن أن تُصنَّف كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية إذا ارتبطت بخطة ممنهجة للتطهير العرقي.
وبين أن هذه التصريحات تكشف سياسياً عن نوايا واضحة لتكريس مشروع استيطاني توسعي على حساب الوجود الفلسطيني، وتُستخدم كأداة للضغط على المجتمع الدولي ومصر والأردن والدول المضيفة للاجئين، لافتاً إلى أنها تزيد من معاناة الفلسطينيين إنسانياً، وتهدد وجودهم وحقوقهم التاريخية.
وأشار إلى أن الجانب الإسرائيلي غالباً ما يطرح هذه التصريحات بصيغة مراوغة تحت عناوين "الحلول الأمنية" أو "الممرات الإنسانية"، في حين أن مضمونها الفعلي هو الترحيل القسري، مؤكداً أن إسرائيل تسعى من خلالها إلى اختبار ردود الفعل الدولية، وإذا كان الصمت هو الغالب، تتحول هذه الأفكار إلى سياسات على الأرض.
وحذر مناع من أن مثل هذه التصريحات المتطرفة تدفع الأوضاع في المنطقة نحو مزيد من التوتر والعنف، ما قد يشعل جولة أوسع من المواجهات داخل فلسطين وخارجها، مشيراً إلى أن تهجير الفلسطينيين أو التلويح به سيدفع دول الجوار، وفي مقدمتها الأردن ومصر، إلى اتخاذ مواقف حاسمة لحماية أمنها الوطني.
وبيّن أن استمرار هذا الخطاب العنصري سيضاعف الانتقادات الدولية لإسرائيل ويزيد من عزلتها السياسية، كما يمكن أن يغذي التطرف ويُفاقم أزمة اللاجئين، بما ينعكس سلباً على الأمن والسلم الدوليين، ويجعل أي عملية سلام أو تسوية سياسية شبه مستحيلة.
وفيما يتعلق بالدور الأردني، أكد مناع أن موقف الأردن المبدئي والثابت يرفض بشكل قاطع أي محاولة لتهجير الفلسطينيين، انسجاماً مع التزامه التاريخي بالقضية الفلسطينية والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه.
وأشار إلى أن الأردن يرى في أي مشروع لترحيل الفلسطينيين تهديداً مباشراً لأمنه واستقراره، فضلاً عن كونه مساساً بمسؤولياته الدينية والتاريخية في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، معتبراً أن التهجير جزء من خطة لتفريغ الأرض من أصحابها وضرب هوية المدينة وتاريخها.
وثمّن مناع الموقف الأردني الذي يشكل نموذجاً في التماثل الوطني والعروبي مع الموقف الفلسطيني، مؤكداً أن الأردن يواصل تحركاته على المستويين الدولي والإقليمي لفضح السياسات الإسرائيلية ومنع تمرير أي مشروع ترحيل قسري، مستنداً إلى خبرته التاريخية في استضافة ملايين اللاجئين ورفضه تكرار النكبة بحق الشعب الفلسطيني.
وقال المحلل السياسي الدكتور صلاح العبادي إن تصريحات نتنياهو بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة قوبلت برفض عربي واسع ودعم واضح للموقفين الأردني والمصري، مؤكداً أن الأردن أعلن منذ البداية رفضه القاطع لفكرة التهجير ومخططات اليمين الإسرائيلي المتطرف ضد أهالي القطاع.
وأوضح العبادي أن الأردن يستنكر بشدة التصريحات المتكررة الصادرة عن حكومة الاحتلال حول تهجير الفلسطينيين من أرضهم، بما في ذلك عبر معبر رفح، واستمرار سياسة الحصار والتجويع كأداة لفرض التهجير القسري.
وأشار إلى أن الموقف الأردني المنحاز للقضية الفلسطينية ولأهالي غزة يُعد من أكثر المواقف العربية صلابة، إذ يقود الأردن، منذ الساعات الأولى لأحداث السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، وعلى مدى 700 يوم من هذه الحرب، حراكًا دبلوماسيًا احترافيًا، موجهاً بوصلة المجتمع الدولي نحو مجريات الأحداث في القطاع، وهو ما ساهم في تغيير مواقف العديد من الدول تجاه القضية الفلسطينية
وأضاف أن جولات وخطابات واتصالات جلالة الملك عبدالله الثاني تؤكد أن القضية الفلسطينية والأحداث في غزة هي جوهر التحرك الدبلوماسي الأردني، انطلاقًا من كونها قضية محورية وركيزة أساسية في سياسة المملكة.
وشدد العبادي على أن حصار قطاع غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية يشكلان خطوة ضمن مخطط التهجير الذي يقوده نتنياهو، ويعدان انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والمبادئ الإنسانية.
كما وصف تصريحات نتنياهو بأنها استمرار لنهج إسرائيل في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني وازدراء الاتفاقيات الدولية، ومحاولة لقطع الطريق أمام فرص السلام، وخاصة حل الدولتين.
وأكد أن سياسة العقاب الجماعي، وحرب الإبادة الجماعية على غزة، وجرائم الاحتلال في الضفة الغربية، والانتهاكات بحق المقدسات، ومخططات توسيع المستوطنات وتهويد القدس، ومنع المساعدات الإنسانية، لن تنجح في إجبار الشعب الفلسطيني على ترك أرضه أو التنازل عن حقوقه المشروعة.
بدوره أكد رئيس جمعية العلوم السياسية، الدكتور خالد الشنيكات، أن ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة ليس مجرد تصريحات إعلامية، بل هو تنفيذ فعلي لسياسات ممنهجة تهدف إلى تغيير جذري للوضع القائم في الأراضي الفلسطينية.
وأوضح أن ما جرى في مناطق مثل بيت حانون ورفح واستهداف الأبراج السكنية في غزة هو تدمير منظم يهدف إلى جعل البيئة غير صالحة للحياة، ما يدفع سكان القطاع أمام ظروف معيشية بالغة الصعوبة إلى النزوح أو التهجير القسري، وفي كلتا الحالتين يكون الهدف هو ترحيل الفلسطينيين إلى خارج القطاع، وبالأخص إلى مصر.
وأشار إلى أن الأمر ذاته يحدث في الضفة الغربية عبر سياسة "فرض السيادة" الإسرائيلية، وبناء مستوطنات جديدة، وتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وهي كلها إجراءات عملية تترجم تصريحات نتنياهو عن "مشروع إسرائيل الكبرى" إلى واقع ملموس على الأرض.
وأضاف أن هذه السياسات، في حال تهجير سكان غزة، ستؤدي إلى اضطرابات وعدم استقرار في المنطقة، نظرًا لما تمثله من تهديدات أمنها فضلاً عن أن استمرار هذه الإجراءات سيؤدي إلى تقليص الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية أيضًا.
وأكد أن الموقف الأردني ثابت وراسخ في مواجهة هذه المخططات، داعيا إلى تشكيل موقف عربي موحد للتصدي لهذه السياسات.
--(بترا)