مؤاب - في قلب العاصمة الأردنية، حيث تنبض مؤسسات الدولة بالعمل الدؤوب، يقف المجلس التمريضي الأردني شاهدًا على كيف تتحوّل الرؤية إلى إنجاز، وكيف يُترجم الإلهام الملكي إلى واقع مؤسسي راسخ، يرسم ملامح المستقبل الصحي للوطن.
حين زرت المجلس، لم أكن أتوقع أنني على موعدٍ مع دهشةٍ لا تشبه سواها، دهشةُ القادم إلى صرحٍ نُسج بفكر صاحبة السمو الملكي الأميرة منى الحسين المعظمة، الأميرة الهاشمية التي آمنت بأن مهنة التمريض ليست مجرد خدمة صحية، بل رسالة وطنية وإنسانية متخصصة ومتكاملة، تستحق أن تُبنى لها مؤسسات من طراز رفيع، وأن تُصان كرامتها بقوة التشريع، وبعُمق الفكر، وبسخاء الرؤية.
الأميرة منى الحسين لم تكن فقط راعيةً للتمريض والقبالة، بل كانت المؤسِّسة التي رسخت قواعد المهنة على أسس العزيمة والنهضة، ومنحتها شرعية التطور المستدام، مؤمنة أن الإنسان هو الثروة الأغلى، وأن الممرض والممرضة هما قلب النظام الصحي النابض، وضميره الحيّ، حتى أصبح التمريض الاردني متميزا ومركز استقطاب على مستوى الاقليم وعدد من دول العالم.
لكن الرؤية وحدها لا تكفي، ما لم تجد قائدًا يُجيد قراءتها، ويتقن تحويلها إلى واقع. وهنا يبرز الأستاذ الدكتور هاني النوافلة، الأمين العام للمجلس التمريضي الأردني، بصفته القائد الإداري والتنفيذي الذي حمل الأمانة على عاتقه، ومضى يُعيد تشكيل ملامح المهنة بتخطيط حكيم، وعمل مؤسسي منظم، وإرادة لا تعرف التراخي.
واستطيع القول ان التمريض في الاردن يسير بخطى ثابته نحو مستقبل تتجسد فيه المهنة بالاختصاص من خلال استراتيجية وطنية واضحة، تضع تشريعات التمريض والقبالة في سياق حداثي متطور، وتُعزز من مبدأ الكفاءة والمسؤولية، من خلال امتحان المزاولة، الذي لم يعد مجرد عبور أكاديمي، بل أداة تقييم نوعية تدفع الجامعات نحو مراجعة مناهجها، وضبط مخرجاتها، وصقل مهارات خريجيها بما يتوافق مع متطلبات السوق ومعايير الأمان المهني.
ويعمل المجلس على تطوير مسارات الاختصاص التمريضي، باعتباره السبيل الأمثل لتقديم رعاية صحية متخصصة وآمنة. كما أولى اهتمامًا خاصًا بالتطوير المهني المستمر، من خلال اعتماد البرامج التدريبية، ووضع السياسات التي تضمن ضبط الجودة، وتحفيز الممرضين والممرضات على التعلم المستدام، بما يحقق الرقيّ للمهنة والارتقاء بالممارسة.
وقد زادني فخرًا ما شاهدته من بنية تحتية متقدمة، تُوّجت بوجود مركز محاكاة سريري يُعد من الأبرز وطنيًا، يُستخدم لتدريب الكوادر الصحية على مهارات الممارسة باستخدام أحدث تقنيات المحاكاة. كما أن اعتماد المجلس كمركز تدريبي معتمد من جمعية القلب الأمريكية لتقديم برامج الإنعاش القلبي الرئوي الأساسية والمتقدمة، يمثل شهادةً دوليةً على التزام المجلس بأعلى معايير الجودة.
وبرغم محدودية الكوادر، وشح الإمكانات، إلا أن العزم المتقد المستمد من دعم سموّ الأميرة المعظمة، كان كفيلاً بأن يمدّ المجلس بطاقة مستدامة، وإصرار لا ينكسر، لينهض بما لديه من موارد، ويُبدع حيث يعجز غيره، مؤمنًا أن الرؤية حين تكون سامية، فإن التنفيذ يجد طريقه، ولو في أضيق الظروف.
اليوم، بات المجلس التمريضي الأردني عنوانًا للكفاءة الانجاز، ومثالًا حيًّا على كيف تصنع القيادة الواعية فرقًا حقيقيًا. فالتمريض الأردني أصبح علامة يُشار لها عالميًا، بفضل الشراكة الوطنية بين المجلس والمؤسسات الأكاديمية، وحرصه على مواءمة مخرجات التعليم مع الممارسات الفضلى على المستوى الدولي.
وحين خرجت من أبواب المجلس، كنت أحمل يقينًا بأن الأردن يملك من الرؤى، والقيادات، والكوادر، ما يضعه في مصاف الدول المتقدمة. وأن بين سموّ الرؤية ومضاء التنفيذ، وُلد هذا المجلس… في ذروة عطائه، وذروة عطائه لم تأتِ بعد.