مؤاب - في زمنٍ أصبحت فيه الرياضة إحدى روافع المجتمعات وطموحاتها، تبرز كرة القدم في الأردن كمساحة للانتماء ومنصّة تعبّر عن هوية وطن يتطلّع إلى التقدّم بثقة. وفي قلب هذا المشهد، تقف الشراكات الفاعلة بين القطاعين العام والخاص كقوة دافعة تصنع الفرق وتفتح آفاقًا جديدة للبناء الرياضي. ومن بين النماذج الوطنية البارزة، تلمع الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأردني لكرة القدم وشركة سي أف أي CFI، التي أعادت رسم العلاقة بين الدعم والمسؤولية، وبين الرؤية والنتائج، لتصل بخطوطها العريضة بين التمكين والإنجاز.
شراكة تعكس تحوّلا نوعيّا
حين انطلقت الشراكة بين الاتحاد الأردني لكرة القدم وCFI قبل أكثر من عامين، لم تكن مجرّد اتفاقية رعاية، بل تحوّلاً نوعيًّا في دور القطاع الخاص ضمن المنظومة الرياضية. فقد تأسّست الشراكة على رؤية مشتركة تعترف بأهمية إشراك القطاع الخاص كشريك استراتيجي في بناء كرة القدم الأردنية، وفتح مسار أكثر نضجًا واستدامة أمامها.
وفي نيسان 2023، وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير علي بن الحسين المعظّم، رئيس الاتحاد، وُقّعت اتفاقية بين الطرفين تمتد لثلاثة مواسم (2023–2026)، تشمل دعم المنتخبات الوطنية، وتطوير بطولات المحترفين، وتعزيز الحضور النسوي في ساحة كرة القدم الأردنيّة. وبهذا، بدأت مرحلة جديدة من العلاقة المؤسسية المتكاملة، قائمة على تبادل الأدوار وتكامل الجهود، ما بين الاتحاد كجهة تنظيمية وقيادية، وCFI كمؤسسة تؤمن بأن بناء الرياضة هو جزء من بناء المستقبل الوطني.
رؤية سبقت العالميّة
في وقت لم تكن الأضواء قد تسلّطت بعد على التصفيات الآسيوية المؤهّلة لكأس العالم، بادرت CFI، بالتنسيق مع الاتحاد، إلى تقديم دعم مباشر لمنتخب النشامى، في خطوة تعكس إيمانًا مبكرًا بقدرات المنتخب الوطني، والمواهب الوطنية التي لم تكن بحاجة إلى إثبات، بل إلى من يؤمن بها ويشاركها طموحاتها الكبيرة. لقد جاء هذا الدعم كفعل استباقيّ ينبع من قناعة بأن الاستثمار الحقيقي في الرياضة يبدأ قبل صافرة الانطلاق، وقبل أن تتحوّل النتائج إلى عناوين رئيسية.
ولقد جاءت اللحظة التاريخية لاحقًا، لحظة الأردن والأردنيين جميعًا، حين نجح المنتخب الأردني في التأهّل إلى كأس العالم، كتتويج لمسار طويل من العمل والتخطيط والدعم. لقد تحقّق الحلم في ترجمة حقيقيّة تؤمن بأن التمكين الفعليّ والنجاح لا يُبنيان في لحظة، بل في المسار الذي يقود إليهما.
نحو منظومة رياضيّة أكثر شمولًا واستدامة
لم تتوقّف الشراكة بين الاتحاد الأردني لكرة القدم وCFI عند المنتخب الوطني، بل توسّعت لتشمل مختلف مفاصل منظومة كرة القدم الأردنية. ففي عام 2024، وقّع الاتحاد اتفاقية جديدة جعلت من CFI الراعي الرئيسي للدوري الأردني للمحترفين لمدة ثلاث سنوات، ليُعاد تسميته رسميًا إلى
"الدوري الأردني للمحترفين CFI"، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز القيمة التسويقيّة والتجاريّة للبطولات المحليّة، ودعم أندية المحترفين عبر تنويع مصادر الدخل وزيادة الموارد المالية، إضافةً إلى رفع مستوى المنافسة وتوفير بيئة احترافية متكاملة تخدم الأندية واللاعبين على حد سواء.
واتسع نطاق الشراكة ليشمل المنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها (الرجال، والسيدات، والفئات العمرية)، إلى جانب دعم عدد من البطولات النسوية، وإطلاق تسمية "كأس الأردن CFI" على بطولة الكأس، وهو ما يعكس حضورًا تكامليًّا في المشهد الكروي المحلّي. كما تضمّنت الاتفاقية رفع المكافآت المالية في الدوري بما يعزز من الحوافز التنافسية. لقد جاءت هذه التغييرات في صلب رؤية الاتحاد نحو توفير بنية رياضية أكثر استدامة وقابلية للنمو والتطور، ودعم استراتيجيّته للتحوّل التجاري، وتوسيع التفاعل الجماهري وزيادة الحضور في الملاعب.
الرياضة كمنصّة وطنيّة
في الأردن، كرة القدم ليست مجرّد لعبة؛ إنها لغة مشتركة توحد الناس، ومنصة تعبّر عن طموح وطن بأكمله. والشراكة بين الاتحاد الأردني لكرة القدم وCFI تعكس وعيًا عميقًا بدور الرياضة في التعبير عن الهوية الأردنية وتعزيز مكانتها. وعندما يشارك القطاع الخاص في تمكين هذه المنصة، بالشراكة مع مؤسسات ريادية، فإنه لا يدعم منتخبًا فقط، بل يسهم في ترسيخ حضور الأردن إقليميًا وعالميًا، وتوسيع الأثر المجتمعي للرياضة.
إن دعم البرامج المجتمعية، وتمويل المنتخبات، ورفع جودة البطولات، كلها أدوات تصب في هدف واحد: جعل الرياضة حاضنة وطنية للفرص والانتماء والتأثير. واليوم، ومع استمرار هذه الشراكة، يبقى الأفق مفتوحًا لإنجازات جديدة، حيث تلتقي النجاحات الرياضية بالطموحات الوطنية في مشهد واحد يرفع راية الأردن عاليًا.