crossorigin="anonymous">

مؤشرات على ولادة مرحلة سياسية جديدة

مشاركة

بقلم الدكتور محمد حسن الطراونة
عضو مجلس نقابة الأطباء

مؤاب _ يشهد المشهد السياسي الأردني حراكاً غير مسبوق في الأشهر الأخيرة، يتجاوز كونه مجرد قرارات إدارية أو تعديلات روتينية. إن تسلسل الأحداث، من حل المجالس البلدية ومجالس المحافظات إلى التطورات السياسية الأخرى، يرسم ملامح مرحلة جديدة قد تكون على وشك الانطلاق. هذا الحراك يعكس، بوضوح، توجهًا نحو إعادة هيكلة المشهد السياسي والإداري، في ظل إشارات مقلقة حول دور المؤسسات القائمة وفعاليتها.

(تراجع دور البرلمان وغياب الحراك الحزبي)

لعل أبرز سمات هذه المرحلة هو تهميش دور مجلس النواب الحالي، خاصة في القضايا السياسية الجوهرية. فالتعديل الوزاري الأخير، الذي غالباً ما يكون نقطة تواصل بين الحكومة والبرلمان، تم بمعزل عن أي حوار أو تشاور فعلي مع السلطة التشريعية. هذا الإحجام عن إشراك النواب لا يقتصر على التعديلات الوزارية فحسب، بل يمتد ليشمل قضايا أخرى، مما يثير تساؤلات حقيقية حول مدى فاعلية ودور البرلمان في ظل التحديات الراهنة.

على صعيد آخر، لم تنجح منظومة التحديث السياسي، التي أُطلقت لتعزيز المشاركة الشعبية، في خلق حراك حزبي مؤثر. ورغم المحاولات، إلا أن التجربة الحزبية لا تزال تراوح مكانها، إذ يغيب عنها الزخم المطلوب والثقة الجماهيرية. هذا الفشل في بناء حياة حزبية فاعلة يترك فراغاً سياسياً كبيراً، ويُضعف من أداء المنظومة السياسية ككل، مما يدفع بالضرورة نحو البحث عن آليات جديدة للخروج من هذا المأزق.
(تحديات إقليمية ودولية تفرض التغيير)

لا يمكن فصل هذه التطورات الداخلية عن سياقها الإقليمي والدولي المضطرب. فالمنطقة تشهد تحولات جيوسياسية عميقة تفرض على الدول مرونة وقدرة على التكيف. هذه التحديات، سواء كانت اقتصادية أو أمنية، تتطلب وجود سلطة تشريعية قادرة على الاستجابة بفعالية، وتقديم رؤى مستقبلية تتجاوز القضايا المحلية المعتادة. هذا الواقع يدفع إلى الاعتقاد بأن هناك حاجة ملحة لمجلس نواب جديد يكون أكثر قدرة على مواكبة هذه التغيرات، وتوفير الدعم التشريعي اللازم للسياسات الخارجية والاقتصادية للدولة.

(نحو قانون انتخابي جديد ومجلس نواب مختلف)

إن حل المجالس البلدية والمحافظات، وتراجع دور البرلمان الحالي، وضعف التجربة الحزبية، كلها مؤشرات قوية تدل على أننا قد نكون بالفعل على عتبة إصلاح سياسي عميق. يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو الإعداد لقانون انتخابي جديد، يهدف إلى إنهاء مرحلة ماضية وبناء مرحلة جديدة. هذا القانون قد يسعى إلى تغيير طبيعة التمثيل النيابي، وربما يتبنى نظامًا انتخابيًا يمزج بين التمثيل الفردي والقوائم، لتشجيع التحالفات السياسية وإفراز كتل نيابية فاعلة وقادرة على إحداث فرق حقيقي.

في الختام، يبدو أن المرحلة الراهنة لا تهدف فقط إلى إجراء تعديلات شكلية، بل تسعى إلى إحداث تحول جوهري في بنية السلطة التشريعية. إنها عملية إعادة تهيئة شاملة للمشهد السياسي، قد تفضي إلى ولادة مجلس نواب جديد يتماشى مع التطلعات الراهنة والمستقبلية للدولة.

الكلمات المفتاحية