crossorigin="anonymous">

الطراونة..الحروب في المنطقة الوباء الذي يولد الأوبئة

مشاركة

مؤاب - حذر الدكتور محمد حسن الطراونة عضو لجنة البحث العلمي في المركز الوطني لمكافحة الاوبئة والناطق الإعلامي للرابطة الطبية الاوروبية الشرق أوسطية الدولية من تفشي "أوبئة منسية" في مناطق النزاع، مؤكداً أن هذه الأوبئة تشكل "حالة الطوارئ الحقيقية" التي تواجه العالم حاليًا. وأوضح الدكتور الطراونة، بصفته الناطق الإعلامي للرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية وعضو لجنة البحث العلمي، أن "العالم يتحدث عن أوبئة عالمية مستقبلية، بينما الأوبئة الأكثر خطورة وإهمالًا وتجاهلًا إعلاميًا تنتشر بالفعل اليوم، تلك التي تسببها الحرب والجوع والإهمال، وتدمر غزة واليمن وسوريا والعراق وأفريقيا".

وشدد الدكتور الطراونة على أن "الأمر لا يتعلق بالمستقبل أو التنبؤات، إنها مأساة قائمة بالفعل. الأوبئة الناجمة عن الحرب تتضاعف، ولا نتحدث فقط عن العدوى الفيروسية، بل أيضًا عن انتشار الأمراض المزمنة غير المعالجة، ونقص المناعة، ونقص التطعيمات الأساسية للأطفال، والتلوث الناجم عن المياه غير النظيفة، وسوء التغذية". وأكد الدكتور الطراونة: "لا حاجة للشعارات السياسية؛ علينا أن نقول الحقيقة: إن حالة الطوارئ العالمية الحقيقية هي وباء الحرب والجوع".

لفت الدكتور الطراونة الانتباه إلى أن أكثر من 40 مليون شخص في مناطق النزاع مثل غزة، اليمن، سوريا، العراق، والسودان، معرضون لعدوى خطيرة بسبب تدهور الأوضاع. وأوضح أن "70% من الأطفال محرومون من التطعيمات الأساسية، وانهارت مرافق الرعاية الصحية بنسبة تصل إلى 65%، وفرّ الأطباء إلى الدول الغنية، وتتزايد حالات الكوليرا والملاريا والتهابات الجهاز التنفسي".

وانتقد الدكتور الطراونة الفراغ النظامي الذي أوجدته الصراعات، مشيرًا إلى "نقص مرافق الرعاية الصحية العاملة، ونقص الكوادر (حيث توفي الكثيرون أو فروا إلى الخارج)، وانقطاع برامج التطعيم، ونقص رعاية المرضى المصابين بأمراض مزمنة، وتدهور الظروف الصحية، وانهيار إمدادات المياه والغذاء".

وقدم أمثلة مروعة على الواقع المرير: "في غزة، يموت الأطفال بسبب الزحار القابل للشفاء، والتيفوئيد، والتهاب الكبد، وسوء التغذية، والتهاب المعدة والأمعاء، والالتهاب الرئوي. في اليمن، نشهد منذ سنوات أكبر وباء كوليرا في العالم. في سوريا، تفتقر محافظات بأكملها إلى مستشفيات عاملة. وفي العديد من الدول الأفريقية، خرجت الملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية عن السيطرة بسبب انهيار خدمات الرعاية الصحية".

وأكد الدكتور الطراونة أن "الأمراض المُعدية لا تحترم الحدود، هذا ما قلناه منذ زمن. لكن حقوق الصحة، للأسف، تحترمها. واليوم، تُعامل صحة شعوب بأكملها بمعايير مزدوجة". ودعا إلى التحرك العاجل: "من المُلحّ التحرك دون انتظار جائحة فيروسية أخرى تتصدر عناوين الصحف: فالأوبئة المنسية قائمة بالفعل. ومن هنا سيأتي التفشي العالمي التالي إذا لم نتدخل فورًا. القاعدة التي يجب أن نلتزم بها دائمًا الآن هي أن الأمن الصحي في البلدان الفقيرة التي مزقتها الحروب هو أمن صحي للدول الغربية الغنية".

بناءً على ما تقدم، قدم الدكتور الطراونة خطة تدخل صحي دولية تقوم على أربعة محاور رئيسية:

 1-إنشاء ممرات صحية إنسانية دائمة في مناطق الحرب والمناطق غير المستقرة، بمشاركة العاملين الصحيين المتطوعين والمنظمات غير الحكومية والوسطاء بين الثقافات.

 2-تعزيز البعثات الصحية متعددة التخصصات، التي يتم تنسيقها، بدعم من الأطباء والجامعات الشريكة، لضمان التطعيمات للأطفال، وفحوصات الأمراض المعدية، والعلاجات الأساسية.

 3-إنشاء مرصد مستقل للأوبئة في سياقات الحرب، للمراقبة المستمرة للبيانات والقضايا الحرجة والاستجابات الصحية، بالتنسيق مع المجتمعات المحلية والدول المضيفة.

 4-فصل التضامن والتعاون الدولي والإنساني عن السياسة الداخلية والخارجية لكل بلد لضمان عدم حرمان أي طفل أو امرأة أو مدني من المساعدات الطبية.

إحصائيات صادمة

قدم الدكتور الطراونة إحصائيات صادمة حول انتشار الأوبئة في سياقات الحرب:

 * غزة وفلسطين: زيادة بنسبة 180% في حالات الإسهال الحاد لدى الأطفال، +150% من حالات التهابات الجهاز التنفسي المزمنة، +90% من حالات التطعيم الفائتة ضد الحصبة وشلل الأطفال (2022-2025).

 * اليمن: أكثر من 2.5 مليون حالة إصابة بالكوليرا منذ 2021، ووفيات الأطفال ارتفعت بنسبة 40%، و70% من الأطفال بدون تطعيمات أساسية.

 * سوريا: زيادة بنسبة 60% في الأمراض المعدية في مخيمات اللاجئين (السل، التهاب الكبد، الجرب)، وأكثر من 65% من المرافق الصحية معطلة.

 * العراق (شمال العراق ومناطق الصراع): زيادة بنسبة 110% في حالات العدوى المنقولة بالمياه؛ وزيادة بنسبة 70% في حالات الملاريا في المناطق الريفية.

 * السودان ودول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا: انتشار متزامن للملاريا والكوليرا والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية دون إمكانية الحصول على العلاج بين أكثر من 35 مليون نسمة.

وسلط الدكتور الطراونة الضوء على الأسباب الرئيسية للأوبئة في السياقات الحرجة:

 * المياه الملوثة وانعدام مرافق التنقية: مسؤولة عن 30% من التهابات الجهاز الهضمي الخطيرة في البلدان التي تشهد صراعات.

 * سوء التغذية ونقص الغذاء: زيادة بنسبة 50% في حالات نقص المناعة لدى الأطفال دون سن الخامسة في مناطق الحرب.

 * نقص في العاملين في مجال الرعاية الصحية: 40% من الأطباء المسجلين يفرون إلى أوروبا والخليج وأميركا الشمالية؛ و55% يفرون إلى سوريا.

 * المرافق الصحية المدمرة بالقنابل أو الصواريخ أو غير صالحة للاستخدام: تقدر بأكثر من 65% في قطاع غزة، و50% في سوريا، وأكثر من 70% في المناطق اليمنية.

 * غياب أو نقص حملات التطعيم: توقفت في 11 منطقة صراع على الأقل في الشرق الأوسط وأفريقيا منذ عام 2021.

واختتم الدكتور الطراونة البيان بدعوة ملحة: "دعونا لا ننتظر حالة طوارئ أخرى لنعيد اكتشاف الحق في الصحة وأهمية دور العاملين في مجال الرعاية الصحية والخدمات التي يقدمونها. الأوبئة موجودة بالفعل. ولا يمكننا تجاهلها لمجرد أنها تؤثر على الأكثر ضعفًا، أو الأفقر، أو من يعيشون تحت وطأة القنابل. نحن بحاجة إلى تدخلات إنسانية ورعاية صحية وعلمية ملموسة. وعلينا إشراك المجتمعات المحلية كجهات فاعلة، وليس مجرد ضحايا".

الكلمات المفتاحية